المشاركات

عرض المشاركات من فبراير, 2025

الشتاء في إسطنبول… وحدةٌ وسُخرية تحت سماء كئيبة

صورة
الشتاء هنا ليس مجرد بردٍ يزحف إلى العظام، بل حزنٌ ثقيل يتسرب إلى كل شيء، يتكاثف مع الضباب الذي يلف المدينة ككفن رمادي لا ينزاح. السماء مكفهرة، ملبدة بغيومٍ لم تعرف الزوال منذ أيام، وكأنها قررت أن تبقى حدادًا على شيءٍ مجهول. المطر لا يطرق النوافذ برقّة، بل يتساقط كدموعٍ باردة على أرصفةٍ أُنهِكت من خطوات العابرين، على مقاهٍ لم تعد تُغلق أبوابها إلا على أرواحٍ تائهة، وعلى وجوهٍ غارقة في صمتها، تنتظر شيئًا لا يأتي. في إسطنبول، الوحدة ليست خيارًا، بل قدرٌ تُحكم المدينة قبضتها عليه. تجلس في زاويةٍ معزولة، في مقهى يطل على البوسفور الذي يبدو ككتلةٍ سوداء ممتدة إلى اللانهاية، تتلاطم أمواجه كقلوبٍ لم تجد من يحتويها. تحمل كوب الشاي الدافئ بين يديك، لكنه لا يدفئك، تمامًا كما لا تفعل المعاطف الثقيلة مع البرد المتسلل من الداخل. تتأمل الغرباء حولك، يحاولون قتل الوقت بالحكايات، لكنك تعرف الحقيقة: لا أحد يهرب من وحدته، الجميع يتظاهر فقط. المدينة تسخر منك بصمتها الثقيل، بطرقاتها الغارقة في الوحل، بأضوائها التي تنعكس باهتةً على زجاج النوافذ، وكأنها ترفض أن تنير شيئًا. حتى القطط التي كانت تملأ الأزقة بمرح...

من ينقذ الشباب المصري؟ أين الخارجية المصرية من الأسرى في السجون الأوكرانية والروسية؟

صورة
‏ظهر محمد شاب مصري من محافظة المنيا في مقطع فيديو نشره اليوتيوبر الأوكراني ديميتري كاربينكو، الذي يوثق حالات أسرى الحرب الروس. فقد أُجبر محمد على الظهور في الفيديو، حيث أتيح له فرصة التواصل مع والدته عبر مكالمة فيديو. ووالدته لم تكن قادرة على التحدث معه إلا بعد الموافقة على نشر الفيديو وهواستغلال الأسرى خلال الحرب. ‏اللافت في الفيديو أن المترجم الذي كان يرافق محمد هو أيضًا أسير مصري يحمل الجنسية الروسية، مما يثير التساؤلات حول عدد الشباب المصريين الذين قد يكونون محتجزين في السجون الأوكرانية نتيجة تجنيدهم في الجيش الروسي. حتى الآن، لم تصدر السلطات الأوكرانية أي إحصائيات رسمية حول عدد الأسرى المصريين في الحرب، مما يجعل القضية أكثر غموضًا. ‏قصة محمد ‏ من محافظة قنا، و سافر إلى روسيا بهدف دراسة الطب. إلا أن الصعوبات المالية أجبرته على ترك الجامعة، مما أدى إلى إلغاء تأشيرته القانونية في البلاد. ونتيجة لذلك، اضطر محمد للبحث عن وسائل أخرى للبقاء في روسيا، فوجد عرضًا من الجيش الروسي يتيح له الحصول على الجنسية الروسية مقابل الانضمام إلى الخدمة العسكرية. ‏بعد توقيعه للعقد، حصل محم...

الجميع يموت.. والانتحار ليس حلالًا لفئة ومحرّمًا على أخرى.. هل نتعلم ويفهمها الجميع ؟

صورة
الموت واحد، لكن المجتمع يصرّ على تقسيمه، وكأن الألم يُقاس بالانتماءات، وكأن وجع الإنسان يخضع لتصنيفات تُحدّد من يستحق التعاطف ومن يُلعن حتى بعد رحيله. رحلت سارة حجازي، بعد معاناة نفسية قاسية، ورحل مصطفى بن محمد وفا، رغم تدينه الشديد، وكلاهما غادر هذا العالم مثقلًا بصراعات داخلية لم يجد لها مخرجًا. لم يكن انتحارهما بسبب ضعف إيمان أو قلة يقين، بل كان نتيجة لألم نفسي عميق، لو عاشه أي شخص آخر لربما انتهى به المطاف في المكان نفسه. لكن كيف نظر الناس إلى رحيلهما؟ البعض ترحّم على مصطفى، لأنه "شاب ظاهرة متدين"، بينما صُبّت اللعنات على سارة، لأنها كانت "مختلفة"، رغم أن الألم الذي عاشته لم يكن أقل قسوة من ألم مصطفى. وكأن الرحمة يجب أن تُمنح ببطاقة تصنيف مسبقة، وكأن المرض النفسي يُفرّق بين الأسماء والمعتقدات والتوجهات. الحقيقة التي يهرب منها كثيرون أن الانتحار ليس مسألة تدين أو عدمه، بل هو وجع داخلي لا يُحتمل، وانهيار نفسي لا يجد يدًا تمتدّ إليه في اللحظة الأخيرة. جميعنا بشر، جميعنا نمر بلحظات ضعف، جميعنا نحتاج إلى التعاطف بدلًا من الأحكام، وإلى الاحتواء بدلًا من الإدانات...

ليلى سويف.. أمٌّ تقف حيث يتراجع الجميع

صورة
الدكتورة ليلى سويف ليست مجرد اسم، وليست مجرد أستاذة جامعية أو ناشطة سياسية. هي الأم الشجاعة التي احتضنت نضالات الطلبة، العمال، المهندسين، الصيادلة، وكل من آمن بأن هذا الوطن يستحق الحرية. هي المرأة التي لم تتخلَّ عن الميدان يومًا، حتى عندما بدا وكأن الجميع قد انسحبوا. أول لقاء مع الثورة أتذكر حينما جئت إلى القاهرة، لم أكن أعرف من هو علاء عبد الفتاح، ولم أكن قد سمعت عن أحمد سيف الإسلام. لكنني تعرفت إليهما سريعًا، ووجدت نفسي أمام قامات نادرة: رجل يتحدث كأبٍ ومعلم، ينتقي كلماته ليهدم أسوار الخوف ويفتح العقول على مفاهيم كانت بعيدة. في مركز هشام مبارك للقانون، شاهدت أحمد سيف ورفيقة دربه ليلى سويف، يدافعان عن المعتقلين والمعتقلات، يشرحان للناس حقوقهم، ويؤسسان لجيل لا يخشى أن يطالب بحريته. في شوارع القاهرة العتيقة، كنت أرى ليلى سويف في الصفوف الأولى، من أوائل المدافعين عن المتظاهرين في وجه السلطة المستبدة. شامخة في ميدان طلعت حرب، صامدة في ميدان التحرير، كانت دومًا حائط الصد الأول وناصحة أمينة لكل من خرج ليطالب بحقوقه. الفرح المسروق كنت هناك يوم 23 مارس 2014، حين خرج علاء عبد الفتاح من ال...