الشتاء في إسطنبول… وحدةٌ وسُخرية تحت سماء كئيبة

الشتاء هنا ليس مجرد بردٍ يزحف إلى العظام، بل حزنٌ ثقيل يتسرب إلى كل شيء، يتكاثف مع الضباب الذي يلف المدينة ككفن رمادي لا ينزاح. السماء مكفهرة، ملبدة بغيومٍ لم تعرف الزوال منذ أيام، وكأنها قررت أن تبقى حدادًا على شيءٍ مجهول. المطر لا يطرق النوافذ برقّة، بل يتساقط كدموعٍ باردة على أرصفةٍ أُنهِكت من خطوات العابرين، على مقاهٍ لم تعد تُغلق أبوابها إلا على أرواحٍ تائهة، وعلى وجوهٍ غارقة في صمتها، تنتظر شيئًا لا يأتي. في إسطنبول، الوحدة ليست خيارًا، بل قدرٌ تُحكم المدينة قبضتها عليه. تجلس في زاويةٍ معزولة، في مقهى يطل على البوسفور الذي يبدو ككتلةٍ سوداء ممتدة إلى اللانهاية، تتلاطم أمواجه كقلوبٍ لم تجد من يحتويها. تحمل كوب الشاي الدافئ بين يديك، لكنه لا يدفئك، تمامًا كما لا تفعل المعاطف الثقيلة مع البرد المتسلل من الداخل. تتأمل الغرباء حولك، يحاولون قتل الوقت بالحكايات، لكنك تعرف الحقيقة: لا أحد يهرب من وحدته، الجميع يتظاهر فقط. المدينة تسخر منك بصمتها الثقيل، بطرقاتها الغارقة في الوحل، بأضوائها التي تنعكس باهتةً على زجاج النوافذ، وكأنها ترفض أن تنير شيئًا. حتى القطط التي كانت تملأ الأزقة بمرح...