عمرٌ يثقلُه الغياب
اليوم أتمُّ عامي الثلاثين. ثلاثة عقود مرّت، ولم يكن أيٌّ منها كما تمنّيت. لا احتفال، لا أمنيات، لا كعكة تحمل شموعًا تطفئها أنفاسي المتعبة. فقط عام آخر يضاف إلى أعوامي المنهكة، عام آخر يُراكم الغربة فوق الغربة، والوحدة فوق الوحدة.
أنا الآن عالق. بلا جواز سفر، بلا وطن يحتضنني، بلا لغة تربطني بالناس من حولي. أعيش كأنني طيفٌ عابر، لا أثر له، لا اسم، لا مكان. مضى اثنا عشر عامًا منذ أن رأيت أمي، منذ أن شعرتُ بدفء يديها، منذ أن نظرتُ إلى عينيها دون أن يفصل بيننا شاشة باردة. اثنا عشر عامًا من الغياب الذي يأكل القلب، من الانتظار الذي لا ينتهي، من السؤال الذي لا إجابة له: متى تعود الأشياء إلى مكانها؟
أدخل عامي الحادي والثلاثين وأشعر أنني أقترب من شيء لا أعرفه، شيء يشبه النهاية. لم يبقَ الكثير، ليس من العمر، بل من الحلم، من الأمل، من القدرة على الاحتمال. أصبحتُ مرهقًا من التمني، من الترقب، من محاولة النجاة في عالم لا يفتح لي أبوابه.
أشتاق لطفولتي، ليس لأنها كانت الأفضل، ولكن لأنها كانت بلا هذا الثقل. كنتُ سعيدًا حين لم أكن أفهم معنى الفقد، لم أكن أعرف كيف يسحقنا الغياب، كيف تلتهمنا المسافات، كيف تصبح السنوات سجنًا لا مفاتيح له.
لكنني رغم ذلك، سأقول لنفسي: ربما العام القادم سيكون أقل قسوة. ربما سأكون بخير، أو على الأقل، سأتعلم كيف أعتاد أن لا أكون كذلك.
تعليقات
إرسال تعليق