عام علي رحيلك سيدي

عام على رحيلك، سيدي
لم أكن أتخيل يومًا أن أكون هذا الشاب الذي يعمل في المجال الصحفي عندما كنت في التاسعة عشرة من عمري، مع اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير. حينها بدأت أدرك معنى الحرية والديمقراطية وما تعنيانه لهذا البلد وشعبه. بدأت أحلم، وتزايدت طموحاتي، ولكن سرعان ما جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن.
وكانت الرياح، لسوء الحظ، عاتيةً لم يتخيلها حتى أكثر المتشائمين. لم أتصور أننا سنعود إلى ما هو أسوأ مما كان قبل ثورة يناير من اعتقالات وقمع وديكتاتورية وبلطجة نظامية، وكأنه انتقام شرس من كل من تمنى الحرية والعدل والمساواة في بلده.
كنت أحلم بكل هذا في بلدي، مثل آلاف الشباب من أبناء مصر الأوفياء... وسريعًا ما جرت الانتخابات الديمقراطية لأول مرة في البلاد رغم أنف العسكر حينذاك، وكانت هذه أول مرة أشارك فيها بصوتي، عندما أدركت أنه لا بديل عن دعم الدكتور محمد مرسي كرئيسٍ مدني ملتزمٍ بقيم الثورة والحرية والديمقراطية.
التقيتُ الدكتور أكثر من مرة في عدد من المناسبات، ولم أرَ منه إلا رجلًا مخلصًا محبًّا لوطنه، حريصًا على شعبه. لكن بلدنا أصيبت بمرضٍ عضال يتمثل في قيادات قواتها المسلحة، فهم مثل السرطان يسري في دماء هذه البلاد، يأبى أن يتركها إلا كما يترك السرطانُ المريضَ! فما كان منهم إلا أن انقلبوا على الديمقراطية، فأطاحوا بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، وألغوا الدستور، وقتلوا وحبسوا وشرّدوا كل من اعترض على جرائمهم.
لم أنسَ، قبل الانقلاب بأيام، عندما رأيته قبل أحد المناسبات في قاعة المؤتمرات الكبرى بالقاهرة، وهو يوقف موكبه المتواضع ويترجل ليسلم على الشعب دون أدنى خوف، بكل احترام، وبكلمات متواضعة كواحدٍ منهم، يستفسر عن أحوالهم وأوضاعهم.
ويبقى خطابه الأخير الخالد، وتعهده بالحفاظ على قسمه والشرعية، حتى لو كلفه ذلك حياته من أجل مصر وشعبها، شاهدًا على نُبله. لم أنسَ، ولم ينسَ كل حرٍّ شريف، حرصه على دماء المصريين جميعًا، بما فيهم القوات المسلحة، قبل أن يغدر به من عيّنه وزيرًا لها، فخانه، ثم قتله، وارتكب المذابح بحق من رفضوا الخيانة، على مرأى ومسمع من العالم كله.
دفع الدكتور مرسي ثمنًا غاليًا فداءً للحرية والوطن، ليعلِّم أبناءنا أن آباءهم كانوا رجالًا لا يقبلون الضيم، ولا ينزلون أبدًا على رأي الفسدة!
فأصبح شهيدًا للحرية، ورمزًا للأحرار في العالم أجمع وفي التاريخ، بينما سيظل الخائن رمزًا للخِسّة والنذالة!
تعليقات
إرسال تعليق