كفاح الشباب بين مستنقع الإسلام السياسي والعسكر

 

ليس بعيدًا عن واقع مجتمعاتنا العربية، التي تعاني من ديكتاتوريات عسكرية وقمعية تطال جميع مناحي الحياة، بدايةً من وضع حقوق الإنسان، وتكميم منظمات المجتمع المدني، وانتهاك الحريات الشخصية والدينية، يعيش الشباب في دول العالم الثالث أو النامي تحت وطأة هذه الأوضاع الصعبة.

ما زال هناك القليل من الأمل والكفاح

ربما ليست شخصية اليوم عربية، لكنها من أفغانستان، هذا البلد الذي عانى من انقلابات عسكرية واحتلال قاده إلى حكم ديني راديكالي متشدد، رغم فترة الحكم الديمقراطي التي عاشتها هذه الدولة الحبيسة بين الجبال والطبيعة.

في ظل هذا المشهد، يخرج لنا الأمل وسط كل هذا الألم. فقد برزت ظريفة غفاري، أصغر امرأة وأول أفغانية تتولى منصب رئيسة بلدية (عمدة) بلدة شار في يوليو 2018، وأدت اليمين الدستورية في مارس 2019، في بلدٍ لم يكن يعرف تعليم الفتيات، ولا يسمع فيه سوى صوت الرصاص. هذه الشابة، التي لم تتجاوز السادسة والعشرين من عمرها، وُلدت عام 1992، وكانت حريصة على أن تكون الدرع الحامي لفتيات بلدها، مدافعة عن حقهن في التعليم والرعاية، ومحاربة ثقافات القمع التي امتدت لسنوات وما زالت مستمرة.

يوم أن سقط الحلم – 15 أغسطس 2021

في ذلك اليوم، أمرت قيادة طالبان قواتها رسميًا بوقف تقدمهم على أبواب كابل، معلنةً أنهم لن يستولوا على المدينة بالقوة، رغم وصول قواتهم إلى أطرافها. وفي اليوم نفسه، انسحبت القوات الأمريكية من جميع أنحاء البلاد، وسط مشهد سريالي، تلاشت فيه معاني الوطن والاستقلال والحرية والكرامة.

وسط هذا الانهيار، تلتقط ظريفة حفنة من تراب أفغانستان، وتضعه في طرف حجابها، وهي تتجه نحو طائرة لا تعلم إلى أين ستحملها. لقد ضاق الوطن الذي دفع والدها حياته ثمنًا لحريته، عندما قُتل برصاص حركة طالبان أمام منزله قبل أشهر من سقوط البلاد. ورغم التهديدات اليومية التي كانت تصلها بالقتل، ونجاتها من عدة محاولات اغتيال، إلا أنها كادت تفقد حياتها فجأة، وتحولت حياتها إلى جحيم، فباتت تحاول الهرب منه بأي ثمن.

ماذا حدث ليكون انهيار ما يُسمى بالدولة بهذه السرعة، وتكون الخسارة بهذه الفداحة؟

فجأةً، تكتشف ظريفة هول الحقيقة، فلم يكن عالمها سوى أضغاث أحلام، فالحكومة التي "تبسط سلطانها على البلاد" بعد إزاحة طالبان لم تكن سوى كيان هشٍّ من ورق، وجدار الصد الذي كان يُقام لمنع التفجيرات في مراكز المدن والأسواق لم يكن سوى حاجز وهمي. انهار الحلم، وانتهى المطاف بظريفة لاجئة في ألمانيا، لا تملك إلا أن تلمس التراب كلما اشتدت غربتها، ولم يبقَ لها إلا متابعة مظاهرات النساء في أفغانستان عبر شاشات التلفزيون أو مواقع الإنترنت، حزينةً، لأنها ليست بينهن، وعاجزة عن المساعدة.

لم تكن المرأة الأفغانية ضحيةً لتطرف طالبان فحسب، بل كانت أيضًا ضحيةً للحكومات المتعاقبة، وطبقة سياسية متعفنة، منشغلة بالفساد والصراع على الغنائم، لملء الجيوب على حساب أحلام البسطاء. لم تكن هذه الحكومات قادرةً على التجذر في المجتمع أو إقناع الأهالي بأنها تملك لهم قدرًا مختلفًا.

ظريفة، الحاصلة على الماجستير في الاقتصاد، كانت ضحية للحسابات الانتخابية لدى الساسة الأمريكيين. وبالعودة إلى مذكرات هيلاري كلينتون "خيارات صعبة", يتضح حجم المأزق الأمريكي الذي سقطت فيه واشنطن بسبب تهور الرئيس جورج بوش الابن، عقب أحداث سبتمبر 2001، واحتلال أفغانستان والعراق.

ظريفة... امرأة تمثل خيبة كل شعوب العالم الثالث

تذبل ظريفة، وتظل تناجي الوطن بيأس، وتغامر بالعودة إلى أفغانستان، متنازلة عن ثأرها لدم والدها الذي اغتيل برصاص طالبان. فالنساء هناك يحتجن إلى حضورها ومساعدتها، لا إلى عملها على الانتقام.

وما أحلام ظريفة إلا صورة من أحلام الشعوب الساذجة، التي صدّقت وعود الساسة الجدد في مصر والعراق وليبيا وتونس واليمن وسوريا. فكل الشعوب ظريفة، وكل طموحاتها أشبه بأضغاث أحلام!